في عصر الانترنت الحرية الافتراضية.. حيادية الشبكة وحرية التعبير
اعتقد المتحمسون لشبكة الانترنت أنها وسيط منيع بشكل كبير على التنظيم الرسمي والرقابة، وقد برز هذا الاعتقاد في إطار ما يسمى بثالوث الانترنت المقدس " تقنية الوسيلة – طبيعة المحتوى- التوزيع الجغرافي للمستخدمين"، معتمدين على فرضية مفادها أن الانترنت صممت أصلا بهدف النجاة من حرب نووية ومن ثم فإن هندستها وبنية حزم المعلومات تقاوم الرقابة ، وتحقق حلم التحرر المدني من خلال تقنية منخفضة التكاليف للمستخدمين، ووسيط تفاعلي بالغ الأهمية سواء للأفراد أو للحكومات.
ولطالما انطلق هؤلاء المتحمسون من حكمة تقليدية تقول بأن الانترنت هي فضاء للتعبير الحر من حيث الاتساع او الأهمية وذلك على الاغلب للسهولة غير المسبوقة التي يمكن الدخول بها الى هذا الفضاء من أجل التعبير، ولطالما أثارت حرية التعبير على شبكة الانترنت العديد من الاشكاليات المتعلقة أيضا بالتنظيم القانوني، وآلياته ومدى فعاليته في اطار وسيط بات ينفرد بالقدرة على الاتصال الالي وتجاوز الحدود الجغرافية والسياسية والقانونية سيما بعد أن أصبحت هذه الشبكة خاضعة لسيطرة حفنة من الكيانات الخاصة المهيمنة في مسؤوليتها عن إتاحة التواصل والتعبير.
هذه المفارقة تقع في لب كتاب "الحرية الافتراضية..حيادية الشبكة وحرية التعبير في عصر الانترنت الذي صدر عام 2010" للبروفيسور داون نانتسو، وترجم عن الانجليزية للعربية بمبادرة من وزارة الثقافة والفنون والتراث القطرية، يقع الكتاب المترجم في (230 صفحة) من القطع المتوسط والمكون من سبعة فصول- والتي وظفت به الكاتبة – أستاذ القانون في جامعة واشنطن- معطيات مهمة، تمكّن القارئ من الاطّلاع على الجانب الخفي لممارسة الشركات المزوّدة للانترنت الرقابة على المحتوى وفق رؤيتها ومصلحتها المباشرة، وهذا كان أحد تداعيات التنقيحات التي حصلت مؤخرا على قانون حرية التعبير في الولايات المتحدة والتي كان بموجبها أن منعت الحكومة من الرقابة على التعبير ولكنها سمحت للشركات التجارية الوسيطة -والتي باتت تعتبر كحارس لبوابات محتوى الشبكة العنكبوتية- بالقيام بهذا الدور والتحكم في المحتويات المنشورة.
من خلال استعراض فصول هذا الكتاب، توصلنا الكاتبة في نهاية الأمر إلى حقيقة وهي أن التعبير عبر الانترنت قد انتهى به المطاف ليصبح خاضعا للتحكم من قبل حفنة من الكيانات- الشركات الخاصة ذات السطوة، وبالتالي أصبحت قنوات التعبير مملوكة لتلك الشركات.
وتقرّ الكاتبة بأن السنوات الأخيرة قد شهدت تطورًا كان من شأنه أن يمنح حفنة صغيرة من القنوات ذات السطوة هيمنة مطلقة على تعبير الأفراد، إلى الحد الذي جعل قدرة هذه القنوات الخاصة على رقابة التعبير عبر هذه الوسيلة تصل إلى مستويات غير مسبوقة.
وقد استثمرت قنوات التعبير التي تتخذ من الولايات المتحدة مقرا لها موارد مالية هائلة لتطوير طرق الرقابة على التعبير بناء على طلب أنظمة مقيدة للتعبير مثل الصين، ومع وجود تلك الطرق في المتناول تصبح قنوات التعبير مؤهلة وعلى نحو متزايد لتقييد التعبير لدى مستخدمي الانترنت في الولايات المتحدة وذلك تعزيزا لمصالحها التجارية والسياسية وغير ذلك من مصالح مما يزعزع الثقة بينها وبين المستخدم.
تشخص الكاتبة مشكلات حرية التعبير على الانترنت وترى بانه على الرغم من ان الانترنت حققت وما زالت تحقق اكبر سوق تشاركية للتعبير الجماهيري الا ان هذا التعبير في نهاية المطاف باتت تتحكم به مجموعة من القنوات ذات السطوة مثل مزودي انترنت القطاع العريض ومزودي العمود الفقري للإنترنت ومزودي البريد الالكتروني ومحركات البحث.
فوجود هذه السلطات يطرح إشكالية: في أي ظروف لهؤلاء المزودين استخدام سلطتهم التقديرية لتحديد أي محتويات يحجبونها وأي محتويات يسمحون بعبورها؟ فقد شهدت عملية تنظيم الانترنت خلال السنوات الاخيرة تطورا كان من شانه أن يمنح هذه الكيانات الخاصة هيمنة مطلقة على تعبير الأفراد، إلى حد جعل قدرة هذه القنوات الخاصة على رقابة التعبير عبر هذه الوسيلة تصل الى مستويات غير مسبوقة.
وتعطينا داون نيساتو أمثلة على الكيفية التي أصبحت بها قنوات التعبير مؤهلة وعلى نحو متزايد لتقييد التعبير لدى مستخدمي الانترنت في الولايات المتحدة، التعبير الذي يحمل انتقادًا أو يتعارض مع المصالح التجارية للمزود، كما جرى حين حجبت شركة أميركا أونلاين والتي كانت في وقت من الأوقات المزود الأكبر لخدمة الانترنت داخل الدولة وفي العالم بأسره- حجبت رسائل بريدية أرسلها هؤلاء الذين يعارضون بعض سياسات أميركا أون لاين الخاصة برسائل البريد الإلكتروني.
كما أقدمت شركة Comcast والتي تعد واحدة من اكبر مزودي النطاق العريض للانترنت، أقدمت سرا على تقييد قدرة مشتركيها على استخدام تطبيقات مشاركة الملفات القانونية ومنعت مشتركي بريدها الالكتروني من تلقي مراسلات من مجموعتي ضغط تنتقدان الرئيس الأمريكي السابق جورج.و. بوش، وحجبت الشركة رسائل بريد الكتروني من منظمة كانت تسعى للضغط على الكونغرس لإدانة الرئيس على خلفية شنه الحرب على العراق. وهناك شركة AT&T وهي مزود للانترنت ADSL فرضت رقابة على المقاطع الغنائية المناوئة لبوش.
كما قام مزودو خدمة انترنت وحارسو بوابات Gateskeeper آخرون باعاقة الأفراد على المشاركة في التعبير عن آرائهم الخاصة بالحرب على العراق أو تلك الخاصة بأحداث الحادي عشر من سبتمبر/ ايلول.
وكانت قد فرضت شركة Google الرقابة على جميع صور الجنود الأمريكيين وهم يعذبون أسرى عراقيين، وحسب الكتاب فإن غوغل وأسوة بمزودي النطاق العريض قد تورط أيضا في أعمال رقابية عديدة، كون غوغل يعتبر محرك البحث الأقوى على الانترنت، فقد تورط بالتلاعب بنتائج البحث وترتيبها وفي فرض الرقابة على "الروابط الدعائية"، المتصلة بهذه النتائج، وهي رسائل نصية موجزة تظهر مرتبطة بكلمات البحث التي يدخلها مستخدمو غوغل.
ومن بين القضايا "المثيرة للحساسية" التي كثيرًا ما تفرض غوغل عليها قيودًا هي النقاشات حول الإجهاض.
فرغم أن غوغل تقبل ظاهريًا الروابط الدعائية الخاصة بالموضوعات ذات الصلة بالإجهاض من وجهات نظر دينية معينة ومساندة للحق في الاجهاض، فهي ترفض قبول الروباط الدعائية التي تناقش الاجهاض من وجهة النظر الدينية او تلك التي تحيل إلى دين ما.
كما فرضت غوغل في الجانب السياسي قيودًا على الآراء في روابطها الدعائية. تشير نونسياتو إلى أن غوغل لدى تنفيذها لسياستها الرفاضة لاستضافة الروابط الدعائية التي تقف "موقفًا مناوئًا من أي فرد أو جماعة أو منظمة" أخذت غوغل تستخدم هذه السلطة في فرض قيود على التعبير لمصلحة مواقف سياسية بعينها.وأيضا فرضت كل من شركة أمريكان أونلاين وياهو الرقابة على منتديات الانترنت التي تستضيف مواد معادية لأمريكا وللإسلام.
كما فرض حراس بوابات الانترنت رقابة على الآراء المتعلقة بشؤون دينية ومجتمعية، عندما علقت شركة نتورك سيلوشنز لحلول الشبكات NSI وهي واحدة من كبريات الشركات الامريكية في تسجيل أسماء النطاقات وحارسي البوابات للحصول على موقع على شبكة الانترنت، فعلقت تسجيل اسم النطاق لموقع عضو البرلمان الهولندي جيرت فيلدرز وأغلقت ذلك الموقع عندما ارتأت أن الموقع يسوف يستخدم لبث فيلم قصير يحمل انتقادات للإسلام. الخ
وتضيف الكاتبة بأن مزودي خدمة الانترنت الذين يعملون كمزودي خدمة بريد الكتروني، أو مستضيفين لمواقع، يستطيعون حظر المحتوى في رسائل البريد الالكتروني أو المواقع من خلال استخدام أحد برامج المرشحات، كما يمكنهم استخدام برامج "متشممي الحزم" لحظر الوصول إلى أنوع من بروتوكولات الاتصال، كما يمكن لبرامج الغربلة حظر المحتوى عبر طرق متعددة مثل البرامج التي تستطيع ان تحجب كلمات أو عبارات معينة غير مرغوبة مثل الكلمات ذات الصلة بالجنس، وتسمى برامج الغربلة.
ما تخلص اليه الكاتبة في معرض حديثها هنا بأن مزودي خدمة النطاق العريض وكيانات التعبير الأخرى على الانترنت أصبحوا يمتلكون الوسائل التقنية الكفيلة بفرض الرقابة، بفضل استخدام تقنية التفتيش العميق للحزم وبرامج الغربلة.
كما أن مزودي خدمة النطاق العريض الذين يحظون بحق احتكار أو بوضع احتكار ثنائي لسوق الانترنت المنزلية لديهم ما يحفزهم على فرض القيود على التعبير الذي يضر بمصالحهم في السوق واتاحة التعبير الذي يتوافق مع هذه المصالح. كما أصبح بمقدور مزودي النطاق العريض مثل (كومكاست) اختيار المحتوى الذي يريدون الترويج له وفرض الرقابة على المحتوى غير المرغوب.
وهذا ينطبق على محركات البحث ومنها غوغل التي يوجد لديها سلطة مطلقة في فرض الرقابة على التعبير الذي تتيحه للمستخدم من خلال بوابتها.
تستطرد الكاتبة بقولها أنه على مدى العقدين الماضيين، أخذت الولايات المتحدة تنزع عن نفسها ملكية البنية التحتية للإنترنت وتحكمها فيها، وتنازلت بها إلى حفنة من الكيانات الخاصة، وفي الوقت الذي أقدمت فيه على ذلك، كانت قنوات التعبير الخاصة تلك لم تزل تُسيّر باعتبارها ناقلات عمومية وملزمة قانونيا بإتاحة التعبير وعدم التمييز ضده.
إلا أنه في عام 2005 أقرت المحكمة العليا للولايات المتحدة بأن "حقوقنا في حرية التعبير عبر الانترنت تنزلق في هدوء من بين أيدينا".
لقد أغفلت الكتابة الحديث عن الطموح الأمريكي للسيطرة على العالم من فرضية مفادها أن من يمتلك المعلومات هو الأقدر على تحقيق السيطرة العالمية. وإذا كان لهذه الفرضية ما يبررها بالنسبة للولايات المتحدة فإن ذلك يرتبط بعوامل عدة ارتبطت بالتطور التكنولوجي في هذه الدولة وما قاد إليه من تطور في مجالات عدة.
وكما هو معروف فإن الانترنت أمريكي النشأة، والولايات المتحدة أسسته لخدمة وزارة الدفاع وقد توسع ليربط مؤسسات وشركات محلية وعالمية ثم انتقلت إدارته إلى القطاع الخاص.
كان ذلك بعد أن ظهرت مه مطلع الألفية الثالثة نزاعات دبلوماسية بشأن السيطرة على الانترنت وتحويله من سيطرة منظمة ايكان (Icaan) – أمريكية غير حكومية- إلى سيطرة مؤسسة دولية عالمية، حتى بات هناك من يتحدث عن صراع المنظورات التي يشبه صراع الحضارات.
ولم تقتصر المعارضة لقيادة أمريكا لشبكة الانترنت على الدول منفردة بل تحولت الى جهد جماعي بقيام الأمم المتحدة عبر أمينها العام السابق كوفي عنان بتكليف فريق عمل من أربعين شخصا للبحث في إدارة الانترنت وهي تتلخص بــ:
- انشاء ما يعرف بمجلس الانترنت العالمي وأعضاؤه من الحكومات تكون مهتمة بالاشراف على الشبكة بدلا من هيئة أيكان الأمريكية.
- تقوية دور اللجنة الحكومية لهيئة ايكان نفسها بحيث تصبح منتدى رسميا حكوميا تكون مهمته مناقشة قضايا الانترنت
- تقليص صلاحيات هيئة ايكان بحيث تقتصر على الجانب التقني وإنشاء مجلس الانترنت العالمي بحيث لا يكون تابعا للأمم المتحدة وإنما يكون هيئة دولية مستقلة.
- إنشاء ثلاثة كيانات\ن يختص الاول بنظام عنونة المواقع ويكون الثاني عبارة عن غرفة مناقشات جول الانترنت تشارك فيه الحكومات ومؤسسات غير ربحية ومنظمات ممثلة لعموم الناس، ويقوم الثالث بدور المنسق بشأن القضايا ذات العلاقة بالسياسة العامة.
في هذا السياق اشارت الكاتبة أنه في العام 1998 تنازلت حكومة الولايات المتحدة عن سيطرتها على إدارة البينة التحتية للإنترنت الى كيان خاص وذلك من خلال خصخصة إدارة نظام اسم النطاق ونقل التحكم لهذا النظام الى مؤسسة (ايكان) وتعتبر هذه المؤسسة كيانا خاصا ولا ترتبط بأي حكومة أو كيان حكومي دولي وقد منحتها الولايات المتحدة سلطة وضع السياسات المنظمة للتعبير عبر الانترنت وعليه إن ايكان وهؤلاء الذين تفوضهم في تنظيم اسم النطاق تحظى بسيطرة واسعة على البنية التحتية للتعبير وكذلك على التعبير نفسه عبر الانترنت.
ايكان تتحكم في نظام أسماء النطاقات والذي يترجم بدوره إلى تحكم في الاستحواذ على المواقع وصيانتها والتي تترجم في النهاية إلى تحكم في التعبير عبر الانترنت. وعليه فإن ايكان ومسجلي أسماء النطاقات من ذوي السلطة مثل شركة NSI يحظون بسيطرة محكمة على البنية التحتية للأنترنت.
تحاول الكاتبة الاجابة على هذا السؤال من باب أن الانترنت تمثل منتدى غير مسبوق للتعبير ولأنها انشئت بالأساس لتأدية أغراض تعبيرية خاصة بالحكومة الامريكية فإنها تعتبر أنه يجب على المحاكم أن تقرر أن إدارة التعبير والتحكم به عبر الانترنت عموما يمثل (وظيفة عامة)، وانه على المحاكم أن تمحص بدقة ما اذا كان عليها أن تُخضع هذه الكيانات للمساءلة بشأن التعبير وفقا للتعديل الاول للدستور الأمريكي الضامن للحريات الفردية والعامة.
إلا أن الكاتبة تعتبر أن مبدأ تدخل الدولة لم يفلح في الزام منظمي التعبير على الانترنت بالمعايير اللازمة لحماية حقوق حرية التعبير. داعية الى اعادة النظر في هذا القانون وأن يعاد تشكيله بحيث يركز على مدى سلطة المنظم على التعبير ويوازن بين المصالح المشروعة للمنظم وبين مصالح ممارس التعبير المفترض.
فالكاتبة تقدم الدفع القانوني التالي: بتطبيق مبدأ تدخل الدولة في سياق الانترنت، ينبغي للمحاكم أن تصل إلى خلاصة وهي أن الانترنت نفسها هي المعادل الوظيفي للمنتدى العام، منتدى للتعبير مثلما هو الحال مع الشوارع العامة وأرصفة المشاة والمتنزهات، وتحظى بخاصية اتاحة التعبير على نحو واسع.
وهذا ينطبق على محركات البحث، ونظرًا للسلطة الهائلة والمطلقة التي تمارسها محركات بحث مهيمنة مثل غوغل على منتديات التعبير فإن نونسياتو ترى من المفروض على الكونغرس أن يسن تشريعًا يخول فرض قواعد تنظيمية على محركات البحث المهيمنة ويلزمها امكانية الوصول إلى محتوى الانترنت على نحو فعال وغير خاضع للرقابة، ويحظر عليهم التلاعب المتعمد بنتائج البحث على أساس شخصي.
تتأمل الكاتبة الأميركية بأن سوق التعبير الجماهيري الأكثر تشاركية بأن هذا العدد القليل من الشركات التي تعمل حراس بوابات التعبير على الانترنت ينبغي أن تنظم لضمان أنها تعمل كمضيفات جيدات داخل هذه السوق، الخالية من التمييز والرقابة، ولضمان التامها بقيم حرية التعبير التي لا غنى عنها في اتاحة النقاشات العامة والمشاورات المطلعة التي يقتضيها النظام الديمقراطي.
وتدعو نيستيانو الكونغرس الامريكي أن يسن تشريعا يحظر ( أو يلزم مفوضية الاتصالات الفيدرالية بأن تحظر) على مزودي النطاق العريض حجب أي محتوى أو تطبيقات قانونية وكذلك الانخراط في منح الاولوية التمييزي أو خفض الرتبة لمثل ذلك المحتوى أو التطبيقات، كما ينبغي لمثل هذا التشريع – حسب الكاتبة- أن ينص على الشفافية في الحجب أو خفض الرتبة، وتسهب بدعوتها للكونغرس بسن تشريع يسمح بتنظيم محركات البحث المهيمنة مثل غوغل يما يحظر عليها التلاعب بنتائج البحث على أساس فردي ويلزمها بأن تتيح وصولا فعالا وغير خاضع للرقابة للمعلومة أيا كانت.
وإذا بدأت الكاتبة في مقدمة كتابها دعوة للعمل أو صيحة ايقاظ موجهة لكل من يساورهم الشك بشأن (حقوقنا) -وهي اشارة إلى المجتمع الامريكي- في حرية التعبير كمواطنين أمريكيين في هذا المنتدى غير المسبوق للتعبير فإنه ينبغي للمحاكم وراسمي السياسات أن ينتهجوا مفهوما ايجابيا للتعديل الاول للدستور في عصر الانترنت.
فإنها تختم كتابها بدعوة أيضا وتقول: لتحقيق الوعد بأن الانترنت "سوقا للتعبير الاجتماعي الأكثر تشاركية" فإن هذا العدد القليل من الشركات التي تعمل حراس بوابات التعبير عبر الانترنت ينبغي ان تنظم. وأنها يمكن أن تواجه بحملات ضغط من المجتمع المدني الأميركي!
داعية الحكومات أن تفرض على مزودي خدمات الانترنت الواجب القانوني المتمثل في تيسير وصول المستخدمين إلى كل المحتويات التي تكون قانونية في تلك البلاد، وعلى الحكومات أن تطالب المزودين بالعمل كقنوات حيادية تجاه تلك المحتويات دون اللجوء إلى الحجب الرقابي أو التمييز وتيسير تبادل المعلومات "المشروعة" دون تمييز أو حجب رقابي.
معروف أن ثمة تواقين لحرية التعبير في العالم ككل، فالمعطيات تشير بأنه في عام 2015، سيستطيع نحو 3.5 مليار فرد، أي نصف سكان العالم، الدخول على شبكة الإنترنت وستعد هذه الشبكة الوسيلة الأكثر روعة لكسر الحدود وهدم الجدر التي تفصل بين الدول والبشر.
وبالنسبة للشعوب التي تعاني القهر والتي تم حرمانها من حقها في التعبير عن نفسها وحقها في اختيار مستقبلها، فإن الإنترنت يقدم القوة فيما وراء آمالها. حيث إنه في غضون دقائق من الممكن نشر الأخبار والصور التي يتم تسجيلها على أجهزة الهواتف المحمولة إلى جميع أنحاء العالم عبر الإنترنت.
ومن الصعوبة بمكان إخفاء مظاهرة عامة، وهو ما يمثل إحدى صور القمع وانتهاك حقوق الإنسان. في الدول الاستبدادية والقمعية، أدى الإنترنت وأجهزة الهاتف المحمول إلى سماع صوت الرأي العام والمجتمع المدني.
كما وفرت للمواطنين وسيلة مهمة للغاية للتعبير عن الرأي على الرغم من جميع القيود المفروضة .وبالتالي إذا كانت قضية الانترنت والامن الالكتروني تمثل مشكلة داخلية ملحة في الداخل الامريكي وأن ثمة دعوات ومنها دعوة نونسياتو تنادي بتنظيم الانترنت وتعزيز حرية التعبير عليه، فإن هذه المسألة لا تقل أهمية في المجتمعات والدول الأخرى خاصة العربية منها، فثمة أكثر من نظام سياسي في العالم العربي جنح أو يجنح إلى محاولة الحد من ولوج مواطنيه الى الانترنت وخاصة من استعمال بعض مواقع التواصل الاجتماعي حتى أضحى التعتيم والرقابة والحجب والملاحقة القانونية من الأدوات التي اضافها البوليس السياسي في أكثر من دولة عربية.
فحرية التعبير على الانترنت والقوانين الدستورية المتعلقة بها سواء على الساحة الاقليمية بسبب الربيع العربي أو على الساحة العالمية نظرا للجدل المحتدم بين من يعطي أولوية مطلقة لتقاسم المعارف والمعلومات دون قيد او شرط وبين من يرى وجوب التقنين لحماية الملكية الفكرية من القرصنة وحماية المصالح التجارية للشركات متعددة الجنسية.
وإذا كانت دعوة نونسياتو موجهة للفقهاء والدستوريين الامريكيين، فإن القضية نفسها تكتسي أهمية بالغة في العالم العربي اليوم لأنها تتزامن مع حركة البناء الدستوري أو عملية تنقيح الدساتير وصياغتها في عدد من الدول العربية مثل مصر وتونس وليبيا والمغرب وموريتانيا وتشكل مسألة تضمين حرية التعبير ومنها حرية الولوج للأنترنت سؤالا ملحا على المكلفين بصياغة تلك مواد أو تنقيح تلك الدساتير كضمانة دستورية لحرية الانترنت سيما بعد أن أثبتت سياسية التعتيم والقمع فشلها، من هنا لا بد من ضرورة اتخاذ خطوة تكون بمثابة الحل لإرساء شفافية تداول المعلومات، خاصة في ظل التحول الديمقراطي الذي تشهده عدد من الدول العربية ، وهو صياغة قانون ينظم عملية تداول المعلومات والإفصاح عنها.
مسألة أخرى وهي أن هناك مهمة أخرى أمام الادارة الامريكية من اجل اعادة النظر في الدور العالمي للشبكة العنكبوتية ووضع ضوابط تحد من سوء استغلالها وضرورة الانفتاح على العالم وقبول بما يتطلب إرساء الحق بالمشاركة في إدارة الانترنت، وتنظيم المنافسة ضمن قواعد عقاد اخلاقي متوافق عليه، إذ إن دولا كبيرة تطمح الى الاستفادة القصوى من الانترنت وهو ما يزيد من حجم المنافسة على الشبكة.
وفي هذا السياق يثار السؤالان التاليان: هل مسألة إبقاء الإنترنت، كفضاء رقمي عالمي يمثل البيئة الجديدة لنشوء المجتمعات الإنسانية – الإلكترونية وتطورها تحت سيطرة دولة واحدة يرضى بقية دول العالم؟ أم أن هذا الامر له علاقة مباشرة ببسط الهيمنة والتحكم في مقدرات الشعوب المعلوماتية بأنواعها؟
المسألة الأخرى التي لم تتطرق اليها الكاتبة والتي بتقديري تؤخذ عليها وهي أن العالم بعد 11 سبتمبر قد تغيّر، وأن مراقبة الانترنت والبريد الالكتروني من قبل الدوائر الأمنية والاستخبارية والعسكرية قد زادت أضعاف لغاية اليوم، وبالتالي فإن وزارة الدفاع الامريكية تستخدم الرقابة على الانترنت في المحتوى والاتصال لنشر الدعايات المضللة والسيطرة على منافذ المعلومات في أغلب بقاع العالم.
وهنا تنبهنا الكاتبة بالفعل إلى أن حرية التعبير عبر الانترنت تنزلق في هدوء من بين ايدي المواطنين الامريكيين، وأن تقنيات الاتصال الحديثة أسفرت عن تعقيدات اضافية داخل الولايات المتحدة نفسها التي أصبحت تواجه مشكلة سياسية واجتماعية واقتصادية بفعل سيطرة شركات المعلوماتية على الاقتصاد الأمريكي ونشوء طبقة اجتماعية تفتقر الى الولاء للدولة وتنشر استثماراتها خارج الولايات المتحدة.
وحتى أنه لو تنازلت الحكومة الامريكية طوعا أو كرها بفعل الانتقادات عن سيطرتها التامة على الانترنت لحفنة من الشركات الخاصة التي تدير الشبكة العنكبوتية الا أنها ستبقى تسيطر على الانترنت بصورة أو بأخرى وخارج السياق الذي جاءت به الكاتبة إذا ما اتصل الموضوع بقضية الأمن الحيوي والقومي للولايات المتحدة الأمريكية.
ورغم أن الجدل يظل محتدما حول حرية التعبير ومداها القانوني والأخلاقي وذلك في اطار التداخل والتشابك بين الاخلاقيات والتشريعات القانونية والدستورية من جهة وبين جنوح الممارسة الاعلامية والانحراف التشريعي من جهة أخرى؛ تبقى أهمية هذا الكتاب في مجموعه كمحاولة لتناول موضوع الحرية والرقابة على الانترنت وهو حقل ما زال يتسع للكثير من الأبحاث والدراسات والمؤلفات ، ويبقى يشكل حلقة مهمة في الدراسات الاتصالية الحديثة.
ولا نبالغ إن قلنا بأنه يكتسب أهميته أيضا من أهمية المكانة التي يحتلها الفضاء الافتراضي والرقمي في حياة المجتمعات الحديثة، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار بأن هذا الفضاء أثر على حياة الناس بشكل أجبر المنظرين له على إعادة النظر في المفهوم التقليدي للحرية، و لم تعد تعني أن يكون الشخص خارج القضبان أو يفسح له المجال للحديث والتعبير بل أصبح من الممكن تعريف الحرية أيضا على أنها ببساطة الجلوس أمام شاشة الحاسوب الموصول بالإنترنت!
وهذا مايثير الفروق الجوهرية بين الانترنت كممارسة للحرية في بلدان متقدمة وبين كونها إحدى الوسائل التقنية والمعرفية في مجال العمل من أجل الحرية الحقيقية وليس الحرية الافتراضية فقط.
ترجمة: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات- قطر
عين كرمس أنفو
ولطالما انطلق هؤلاء المتحمسون من حكمة تقليدية تقول بأن الانترنت هي فضاء للتعبير الحر من حيث الاتساع او الأهمية وذلك على الاغلب للسهولة غير المسبوقة التي يمكن الدخول بها الى هذا الفضاء من أجل التعبير، ولطالما أثارت حرية التعبير على شبكة الانترنت العديد من الاشكاليات المتعلقة أيضا بالتنظيم القانوني، وآلياته ومدى فعاليته في اطار وسيط بات ينفرد بالقدرة على الاتصال الالي وتجاوز الحدود الجغرافية والسياسية والقانونية سيما بعد أن أصبحت هذه الشبكة خاضعة لسيطرة حفنة من الكيانات الخاصة المهيمنة في مسؤوليتها عن إتاحة التواصل والتعبير.
هذه المفارقة تقع في لب كتاب "الحرية الافتراضية..حيادية الشبكة وحرية التعبير في عصر الانترنت الذي صدر عام 2010" للبروفيسور داون نانتسو، وترجم عن الانجليزية للعربية بمبادرة من وزارة الثقافة والفنون والتراث القطرية، يقع الكتاب المترجم في (230 صفحة) من القطع المتوسط والمكون من سبعة فصول- والتي وظفت به الكاتبة – أستاذ القانون في جامعة واشنطن- معطيات مهمة، تمكّن القارئ من الاطّلاع على الجانب الخفي لممارسة الشركات المزوّدة للانترنت الرقابة على المحتوى وفق رؤيتها ومصلحتها المباشرة، وهذا كان أحد تداعيات التنقيحات التي حصلت مؤخرا على قانون حرية التعبير في الولايات المتحدة والتي كان بموجبها أن منعت الحكومة من الرقابة على التعبير ولكنها سمحت للشركات التجارية الوسيطة -والتي باتت تعتبر كحارس لبوابات محتوى الشبكة العنكبوتية- بالقيام بهذا الدور والتحكم في المحتويات المنشورة.
هل التعبير على الانترنت قد انتهى؟
من خلال استعراض فصول هذا الكتاب، توصلنا الكاتبة في نهاية الأمر إلى حقيقة وهي أن التعبير عبر الانترنت قد انتهى به المطاف ليصبح خاضعا للتحكم من قبل حفنة من الكيانات- الشركات الخاصة ذات السطوة، وبالتالي أصبحت قنوات التعبير مملوكة لتلك الشركات.
وتقرّ الكاتبة بأن السنوات الأخيرة قد شهدت تطورًا كان من شأنه أن يمنح حفنة صغيرة من القنوات ذات السطوة هيمنة مطلقة على تعبير الأفراد، إلى الحد الذي جعل قدرة هذه القنوات الخاصة على رقابة التعبير عبر هذه الوسيلة تصل إلى مستويات غير مسبوقة.
وقد استثمرت قنوات التعبير التي تتخذ من الولايات المتحدة مقرا لها موارد مالية هائلة لتطوير طرق الرقابة على التعبير بناء على طلب أنظمة مقيدة للتعبير مثل الصين، ومع وجود تلك الطرق في المتناول تصبح قنوات التعبير مؤهلة وعلى نحو متزايد لتقييد التعبير لدى مستخدمي الانترنت في الولايات المتحدة وذلك تعزيزا لمصالحها التجارية والسياسية وغير ذلك من مصالح مما يزعزع الثقة بينها وبين المستخدم.
الكيانات المهيمنة على حرية التعبير
تشخص الكاتبة مشكلات حرية التعبير على الانترنت وترى بانه على الرغم من ان الانترنت حققت وما زالت تحقق اكبر سوق تشاركية للتعبير الجماهيري الا ان هذا التعبير في نهاية المطاف باتت تتحكم به مجموعة من القنوات ذات السطوة مثل مزودي انترنت القطاع العريض ومزودي العمود الفقري للإنترنت ومزودي البريد الالكتروني ومحركات البحث.
فوجود هذه السلطات يطرح إشكالية: في أي ظروف لهؤلاء المزودين استخدام سلطتهم التقديرية لتحديد أي محتويات يحجبونها وأي محتويات يسمحون بعبورها؟ فقد شهدت عملية تنظيم الانترنت خلال السنوات الاخيرة تطورا كان من شانه أن يمنح هذه الكيانات الخاصة هيمنة مطلقة على تعبير الأفراد، إلى حد جعل قدرة هذه القنوات الخاصة على رقابة التعبير عبر هذه الوسيلة تصل الى مستويات غير مسبوقة.
وتعطينا داون نيساتو أمثلة على الكيفية التي أصبحت بها قنوات التعبير مؤهلة وعلى نحو متزايد لتقييد التعبير لدى مستخدمي الانترنت في الولايات المتحدة، التعبير الذي يحمل انتقادًا أو يتعارض مع المصالح التجارية للمزود، كما جرى حين حجبت شركة أميركا أونلاين والتي كانت في وقت من الأوقات المزود الأكبر لخدمة الانترنت داخل الدولة وفي العالم بأسره- حجبت رسائل بريدية أرسلها هؤلاء الذين يعارضون بعض سياسات أميركا أون لاين الخاصة برسائل البريد الإلكتروني.
كما أقدمت شركة Comcast والتي تعد واحدة من اكبر مزودي النطاق العريض للانترنت، أقدمت سرا على تقييد قدرة مشتركيها على استخدام تطبيقات مشاركة الملفات القانونية ومنعت مشتركي بريدها الالكتروني من تلقي مراسلات من مجموعتي ضغط تنتقدان الرئيس الأمريكي السابق جورج.و. بوش، وحجبت الشركة رسائل بريد الكتروني من منظمة كانت تسعى للضغط على الكونغرس لإدانة الرئيس على خلفية شنه الحرب على العراق. وهناك شركة AT&T وهي مزود للانترنت ADSL فرضت رقابة على المقاطع الغنائية المناوئة لبوش.
كما قام مزودو خدمة انترنت وحارسو بوابات Gateskeeper آخرون باعاقة الأفراد على المشاركة في التعبير عن آرائهم الخاصة بالحرب على العراق أو تلك الخاصة بأحداث الحادي عشر من سبتمبر/ ايلول.
وكانت قد فرضت شركة Google الرقابة على جميع صور الجنود الأمريكيين وهم يعذبون أسرى عراقيين، وحسب الكتاب فإن غوغل وأسوة بمزودي النطاق العريض قد تورط أيضا في أعمال رقابية عديدة، كون غوغل يعتبر محرك البحث الأقوى على الانترنت، فقد تورط بالتلاعب بنتائج البحث وترتيبها وفي فرض الرقابة على "الروابط الدعائية"، المتصلة بهذه النتائج، وهي رسائل نصية موجزة تظهر مرتبطة بكلمات البحث التي يدخلها مستخدمو غوغل.
ومن بين القضايا "المثيرة للحساسية" التي كثيرًا ما تفرض غوغل عليها قيودًا هي النقاشات حول الإجهاض.
فرغم أن غوغل تقبل ظاهريًا الروابط الدعائية الخاصة بالموضوعات ذات الصلة بالإجهاض من وجهات نظر دينية معينة ومساندة للحق في الاجهاض، فهي ترفض قبول الروباط الدعائية التي تناقش الاجهاض من وجهة النظر الدينية او تلك التي تحيل إلى دين ما.
كما فرضت غوغل في الجانب السياسي قيودًا على الآراء في روابطها الدعائية. تشير نونسياتو إلى أن غوغل لدى تنفيذها لسياستها الرفاضة لاستضافة الروابط الدعائية التي تقف "موقفًا مناوئًا من أي فرد أو جماعة أو منظمة" أخذت غوغل تستخدم هذه السلطة في فرض قيود على التعبير لمصلحة مواقف سياسية بعينها.وأيضا فرضت كل من شركة أمريكان أونلاين وياهو الرقابة على منتديات الانترنت التي تستضيف مواد معادية لأمريكا وللإسلام.
كما فرض حراس بوابات الانترنت رقابة على الآراء المتعلقة بشؤون دينية ومجتمعية، عندما علقت شركة نتورك سيلوشنز لحلول الشبكات NSI وهي واحدة من كبريات الشركات الامريكية في تسجيل أسماء النطاقات وحارسي البوابات للحصول على موقع على شبكة الانترنت، فعلقت تسجيل اسم النطاق لموقع عضو البرلمان الهولندي جيرت فيلدرز وأغلقت ذلك الموقع عندما ارتأت أن الموقع يسوف يستخدم لبث فيلم قصير يحمل انتقادات للإسلام. الخ
وتضيف الكاتبة بأن مزودي خدمة الانترنت الذين يعملون كمزودي خدمة بريد الكتروني، أو مستضيفين لمواقع، يستطيعون حظر المحتوى في رسائل البريد الالكتروني أو المواقع من خلال استخدام أحد برامج المرشحات، كما يمكنهم استخدام برامج "متشممي الحزم" لحظر الوصول إلى أنوع من بروتوكولات الاتصال، كما يمكن لبرامج الغربلة حظر المحتوى عبر طرق متعددة مثل البرامج التي تستطيع ان تحجب كلمات أو عبارات معينة غير مرغوبة مثل الكلمات ذات الصلة بالجنس، وتسمى برامج الغربلة.
"حرية التعبير عبر الانترنت تنزلق في هدوء من بين أيدينا"
ما تخلص اليه الكاتبة في معرض حديثها هنا بأن مزودي خدمة النطاق العريض وكيانات التعبير الأخرى على الانترنت أصبحوا يمتلكون الوسائل التقنية الكفيلة بفرض الرقابة، بفضل استخدام تقنية التفتيش العميق للحزم وبرامج الغربلة.
كما أن مزودي خدمة النطاق العريض الذين يحظون بحق احتكار أو بوضع احتكار ثنائي لسوق الانترنت المنزلية لديهم ما يحفزهم على فرض القيود على التعبير الذي يضر بمصالحهم في السوق واتاحة التعبير الذي يتوافق مع هذه المصالح. كما أصبح بمقدور مزودي النطاق العريض مثل (كومكاست) اختيار المحتوى الذي يريدون الترويج له وفرض الرقابة على المحتوى غير المرغوب.
وهذا ينطبق على محركات البحث ومنها غوغل التي يوجد لديها سلطة مطلقة في فرض الرقابة على التعبير الذي تتيحه للمستخدم من خلال بوابتها.
من يتحكم بالإنترنت
تستطرد الكاتبة بقولها أنه على مدى العقدين الماضيين، أخذت الولايات المتحدة تنزع عن نفسها ملكية البنية التحتية للإنترنت وتحكمها فيها، وتنازلت بها إلى حفنة من الكيانات الخاصة، وفي الوقت الذي أقدمت فيه على ذلك، كانت قنوات التعبير الخاصة تلك لم تزل تُسيّر باعتبارها ناقلات عمومية وملزمة قانونيا بإتاحة التعبير وعدم التمييز ضده.
إلا أنه في عام 2005 أقرت المحكمة العليا للولايات المتحدة بأن "حقوقنا في حرية التعبير عبر الانترنت تنزلق في هدوء من بين أيدينا".
لقد أغفلت الكتابة الحديث عن الطموح الأمريكي للسيطرة على العالم من فرضية مفادها أن من يمتلك المعلومات هو الأقدر على تحقيق السيطرة العالمية. وإذا كان لهذه الفرضية ما يبررها بالنسبة للولايات المتحدة فإن ذلك يرتبط بعوامل عدة ارتبطت بالتطور التكنولوجي في هذه الدولة وما قاد إليه من تطور في مجالات عدة.
وكما هو معروف فإن الانترنت أمريكي النشأة، والولايات المتحدة أسسته لخدمة وزارة الدفاع وقد توسع ليربط مؤسسات وشركات محلية وعالمية ثم انتقلت إدارته إلى القطاع الخاص.
كان ذلك بعد أن ظهرت مه مطلع الألفية الثالثة نزاعات دبلوماسية بشأن السيطرة على الانترنت وتحويله من سيطرة منظمة ايكان (Icaan) – أمريكية غير حكومية- إلى سيطرة مؤسسة دولية عالمية، حتى بات هناك من يتحدث عن صراع المنظورات التي يشبه صراع الحضارات.
ولم تقتصر المعارضة لقيادة أمريكا لشبكة الانترنت على الدول منفردة بل تحولت الى جهد جماعي بقيام الأمم المتحدة عبر أمينها العام السابق كوفي عنان بتكليف فريق عمل من أربعين شخصا للبحث في إدارة الانترنت وهي تتلخص بــ:
- انشاء ما يعرف بمجلس الانترنت العالمي وأعضاؤه من الحكومات تكون مهتمة بالاشراف على الشبكة بدلا من هيئة أيكان الأمريكية.
- تقوية دور اللجنة الحكومية لهيئة ايكان نفسها بحيث تصبح منتدى رسميا حكوميا تكون مهمته مناقشة قضايا الانترنت
- تقليص صلاحيات هيئة ايكان بحيث تقتصر على الجانب التقني وإنشاء مجلس الانترنت العالمي بحيث لا يكون تابعا للأمم المتحدة وإنما يكون هيئة دولية مستقلة.
- إنشاء ثلاثة كيانات\ن يختص الاول بنظام عنونة المواقع ويكون الثاني عبارة عن غرفة مناقشات جول الانترنت تشارك فيه الحكومات ومؤسسات غير ربحية ومنظمات ممثلة لعموم الناس، ويقوم الثالث بدور المنسق بشأن القضايا ذات العلاقة بالسياسة العامة.
في هذا السياق اشارت الكاتبة أنه في العام 1998 تنازلت حكومة الولايات المتحدة عن سيطرتها على إدارة البينة التحتية للإنترنت الى كيان خاص وذلك من خلال خصخصة إدارة نظام اسم النطاق ونقل التحكم لهذا النظام الى مؤسسة (ايكان) وتعتبر هذه المؤسسة كيانا خاصا ولا ترتبط بأي حكومة أو كيان حكومي دولي وقد منحتها الولايات المتحدة سلطة وضع السياسات المنظمة للتعبير عبر الانترنت وعليه إن ايكان وهؤلاء الذين تفوضهم في تنظيم اسم النطاق تحظى بسيطرة واسعة على البنية التحتية للتعبير وكذلك على التعبير نفسه عبر الانترنت.
ايكان تتحكم في نظام أسماء النطاقات والذي يترجم بدوره إلى تحكم في الاستحواذ على المواقع وصيانتها والتي تترجم في النهاية إلى تحكم في التعبير عبر الانترنت. وعليه فإن ايكان ومسجلي أسماء النطاقات من ذوي السلطة مثل شركة NSI يحظون بسيطرة محكمة على البنية التحتية للأنترنت.
إذن ما العمل
تحاول الكاتبة الاجابة على هذا السؤال من باب أن الانترنت تمثل منتدى غير مسبوق للتعبير ولأنها انشئت بالأساس لتأدية أغراض تعبيرية خاصة بالحكومة الامريكية فإنها تعتبر أنه يجب على المحاكم أن تقرر أن إدارة التعبير والتحكم به عبر الانترنت عموما يمثل (وظيفة عامة)، وانه على المحاكم أن تمحص بدقة ما اذا كان عليها أن تُخضع هذه الكيانات للمساءلة بشأن التعبير وفقا للتعديل الاول للدستور الأمريكي الضامن للحريات الفردية والعامة.
إلا أن الكاتبة تعتبر أن مبدأ تدخل الدولة لم يفلح في الزام منظمي التعبير على الانترنت بالمعايير اللازمة لحماية حقوق حرية التعبير. داعية الى اعادة النظر في هذا القانون وأن يعاد تشكيله بحيث يركز على مدى سلطة المنظم على التعبير ويوازن بين المصالح المشروعة للمنظم وبين مصالح ممارس التعبير المفترض.
فالكاتبة تقدم الدفع القانوني التالي: بتطبيق مبدأ تدخل الدولة في سياق الانترنت، ينبغي للمحاكم أن تصل إلى خلاصة وهي أن الانترنت نفسها هي المعادل الوظيفي للمنتدى العام، منتدى للتعبير مثلما هو الحال مع الشوارع العامة وأرصفة المشاة والمتنزهات، وتحظى بخاصية اتاحة التعبير على نحو واسع.
وهذا ينطبق على محركات البحث، ونظرًا للسلطة الهائلة والمطلقة التي تمارسها محركات بحث مهيمنة مثل غوغل على منتديات التعبير فإن نونسياتو ترى من المفروض على الكونغرس أن يسن تشريعًا يخول فرض قواعد تنظيمية على محركات البحث المهيمنة ويلزمها امكانية الوصول إلى محتوى الانترنت على نحو فعال وغير خاضع للرقابة، ويحظر عليهم التلاعب المتعمد بنتائج البحث على أساس شخصي.
تتأمل الكاتبة الأميركية بأن سوق التعبير الجماهيري الأكثر تشاركية بأن هذا العدد القليل من الشركات التي تعمل حراس بوابات التعبير على الانترنت ينبغي أن تنظم لضمان أنها تعمل كمضيفات جيدات داخل هذه السوق، الخالية من التمييز والرقابة، ولضمان التامها بقيم حرية التعبير التي لا غنى عنها في اتاحة النقاشات العامة والمشاورات المطلعة التي يقتضيها النظام الديمقراطي.
وتدعو نيستيانو الكونغرس الامريكي أن يسن تشريعا يحظر ( أو يلزم مفوضية الاتصالات الفيدرالية بأن تحظر) على مزودي النطاق العريض حجب أي محتوى أو تطبيقات قانونية وكذلك الانخراط في منح الاولوية التمييزي أو خفض الرتبة لمثل ذلك المحتوى أو التطبيقات، كما ينبغي لمثل هذا التشريع – حسب الكاتبة- أن ينص على الشفافية في الحجب أو خفض الرتبة، وتسهب بدعوتها للكونغرس بسن تشريع يسمح بتنظيم محركات البحث المهيمنة مثل غوغل يما يحظر عليها التلاعب بنتائج البحث على أساس فردي ويلزمها بأن تتيح وصولا فعالا وغير خاضع للرقابة للمعلومة أيا كانت.
وإذا بدأت الكاتبة في مقدمة كتابها دعوة للعمل أو صيحة ايقاظ موجهة لكل من يساورهم الشك بشأن (حقوقنا) -وهي اشارة إلى المجتمع الامريكي- في حرية التعبير كمواطنين أمريكيين في هذا المنتدى غير المسبوق للتعبير فإنه ينبغي للمحاكم وراسمي السياسات أن ينتهجوا مفهوما ايجابيا للتعديل الاول للدستور في عصر الانترنت.
فإنها تختم كتابها بدعوة أيضا وتقول: لتحقيق الوعد بأن الانترنت "سوقا للتعبير الاجتماعي الأكثر تشاركية" فإن هذا العدد القليل من الشركات التي تعمل حراس بوابات التعبير عبر الانترنت ينبغي ان تنظم. وأنها يمكن أن تواجه بحملات ضغط من المجتمع المدني الأميركي!
داعية الحكومات أن تفرض على مزودي خدمات الانترنت الواجب القانوني المتمثل في تيسير وصول المستخدمين إلى كل المحتويات التي تكون قانونية في تلك البلاد، وعلى الحكومات أن تطالب المزودين بالعمل كقنوات حيادية تجاه تلك المحتويات دون اللجوء إلى الحجب الرقابي أو التمييز وتيسير تبادل المعلومات "المشروعة" دون تمييز أو حجب رقابي.
ماذا عن العالم العربي مثلاً
معروف أن ثمة تواقين لحرية التعبير في العالم ككل، فالمعطيات تشير بأنه في عام 2015، سيستطيع نحو 3.5 مليار فرد، أي نصف سكان العالم، الدخول على شبكة الإنترنت وستعد هذه الشبكة الوسيلة الأكثر روعة لكسر الحدود وهدم الجدر التي تفصل بين الدول والبشر.
وبالنسبة للشعوب التي تعاني القهر والتي تم حرمانها من حقها في التعبير عن نفسها وحقها في اختيار مستقبلها، فإن الإنترنت يقدم القوة فيما وراء آمالها. حيث إنه في غضون دقائق من الممكن نشر الأخبار والصور التي يتم تسجيلها على أجهزة الهواتف المحمولة إلى جميع أنحاء العالم عبر الإنترنت.
ومن الصعوبة بمكان إخفاء مظاهرة عامة، وهو ما يمثل إحدى صور القمع وانتهاك حقوق الإنسان. في الدول الاستبدادية والقمعية، أدى الإنترنت وأجهزة الهاتف المحمول إلى سماع صوت الرأي العام والمجتمع المدني.
كما وفرت للمواطنين وسيلة مهمة للغاية للتعبير عن الرأي على الرغم من جميع القيود المفروضة .وبالتالي إذا كانت قضية الانترنت والامن الالكتروني تمثل مشكلة داخلية ملحة في الداخل الامريكي وأن ثمة دعوات ومنها دعوة نونسياتو تنادي بتنظيم الانترنت وتعزيز حرية التعبير عليه، فإن هذه المسألة لا تقل أهمية في المجتمعات والدول الأخرى خاصة العربية منها، فثمة أكثر من نظام سياسي في العالم العربي جنح أو يجنح إلى محاولة الحد من ولوج مواطنيه الى الانترنت وخاصة من استعمال بعض مواقع التواصل الاجتماعي حتى أضحى التعتيم والرقابة والحجب والملاحقة القانونية من الأدوات التي اضافها البوليس السياسي في أكثر من دولة عربية.
فحرية التعبير على الانترنت والقوانين الدستورية المتعلقة بها سواء على الساحة الاقليمية بسبب الربيع العربي أو على الساحة العالمية نظرا للجدل المحتدم بين من يعطي أولوية مطلقة لتقاسم المعارف والمعلومات دون قيد او شرط وبين من يرى وجوب التقنين لحماية الملكية الفكرية من القرصنة وحماية المصالح التجارية للشركات متعددة الجنسية.
وإذا كانت دعوة نونسياتو موجهة للفقهاء والدستوريين الامريكيين، فإن القضية نفسها تكتسي أهمية بالغة في العالم العربي اليوم لأنها تتزامن مع حركة البناء الدستوري أو عملية تنقيح الدساتير وصياغتها في عدد من الدول العربية مثل مصر وتونس وليبيا والمغرب وموريتانيا وتشكل مسألة تضمين حرية التعبير ومنها حرية الولوج للأنترنت سؤالا ملحا على المكلفين بصياغة تلك مواد أو تنقيح تلك الدساتير كضمانة دستورية لحرية الانترنت سيما بعد أن أثبتت سياسية التعتيم والقمع فشلها، من هنا لا بد من ضرورة اتخاذ خطوة تكون بمثابة الحل لإرساء شفافية تداول المعلومات، خاصة في ظل التحول الديمقراطي الذي تشهده عدد من الدول العربية ، وهو صياغة قانون ينظم عملية تداول المعلومات والإفصاح عنها.
مسألة أخرى وهي أن هناك مهمة أخرى أمام الادارة الامريكية من اجل اعادة النظر في الدور العالمي للشبكة العنكبوتية ووضع ضوابط تحد من سوء استغلالها وضرورة الانفتاح على العالم وقبول بما يتطلب إرساء الحق بالمشاركة في إدارة الانترنت، وتنظيم المنافسة ضمن قواعد عقاد اخلاقي متوافق عليه، إذ إن دولا كبيرة تطمح الى الاستفادة القصوى من الانترنت وهو ما يزيد من حجم المنافسة على الشبكة.
وفي هذا السياق يثار السؤالان التاليان: هل مسألة إبقاء الإنترنت، كفضاء رقمي عالمي يمثل البيئة الجديدة لنشوء المجتمعات الإنسانية – الإلكترونية وتطورها تحت سيطرة دولة واحدة يرضى بقية دول العالم؟ أم أن هذا الامر له علاقة مباشرة ببسط الهيمنة والتحكم في مقدرات الشعوب المعلوماتية بأنواعها؟
المسألة الأخرى التي لم تتطرق اليها الكاتبة والتي بتقديري تؤخذ عليها وهي أن العالم بعد 11 سبتمبر قد تغيّر، وأن مراقبة الانترنت والبريد الالكتروني من قبل الدوائر الأمنية والاستخبارية والعسكرية قد زادت أضعاف لغاية اليوم، وبالتالي فإن وزارة الدفاع الامريكية تستخدم الرقابة على الانترنت في المحتوى والاتصال لنشر الدعايات المضللة والسيطرة على منافذ المعلومات في أغلب بقاع العالم.
وهنا تنبهنا الكاتبة بالفعل إلى أن حرية التعبير عبر الانترنت تنزلق في هدوء من بين ايدي المواطنين الامريكيين، وأن تقنيات الاتصال الحديثة أسفرت عن تعقيدات اضافية داخل الولايات المتحدة نفسها التي أصبحت تواجه مشكلة سياسية واجتماعية واقتصادية بفعل سيطرة شركات المعلوماتية على الاقتصاد الأمريكي ونشوء طبقة اجتماعية تفتقر الى الولاء للدولة وتنشر استثماراتها خارج الولايات المتحدة.
وحتى أنه لو تنازلت الحكومة الامريكية طوعا أو كرها بفعل الانتقادات عن سيطرتها التامة على الانترنت لحفنة من الشركات الخاصة التي تدير الشبكة العنكبوتية الا أنها ستبقى تسيطر على الانترنت بصورة أو بأخرى وخارج السياق الذي جاءت به الكاتبة إذا ما اتصل الموضوع بقضية الأمن الحيوي والقومي للولايات المتحدة الأمريكية.
ورغم أن الجدل يظل محتدما حول حرية التعبير ومداها القانوني والأخلاقي وذلك في اطار التداخل والتشابك بين الاخلاقيات والتشريعات القانونية والدستورية من جهة وبين جنوح الممارسة الاعلامية والانحراف التشريعي من جهة أخرى؛ تبقى أهمية هذا الكتاب في مجموعه كمحاولة لتناول موضوع الحرية والرقابة على الانترنت وهو حقل ما زال يتسع للكثير من الأبحاث والدراسات والمؤلفات ، ويبقى يشكل حلقة مهمة في الدراسات الاتصالية الحديثة.
ولا نبالغ إن قلنا بأنه يكتسب أهميته أيضا من أهمية المكانة التي يحتلها الفضاء الافتراضي والرقمي في حياة المجتمعات الحديثة، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار بأن هذا الفضاء أثر على حياة الناس بشكل أجبر المنظرين له على إعادة النظر في المفهوم التقليدي للحرية، و لم تعد تعني أن يكون الشخص خارج القضبان أو يفسح له المجال للحديث والتعبير بل أصبح من الممكن تعريف الحرية أيضا على أنها ببساطة الجلوس أمام شاشة الحاسوب الموصول بالإنترنت!
وهذا مايثير الفروق الجوهرية بين الانترنت كممارسة للحرية في بلدان متقدمة وبين كونها إحدى الوسائل التقنية والمعرفية في مجال العمل من أجل الحرية الحقيقية وليس الحرية الافتراضية فقط.
ترجمة: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات- قطر
1 آيكان (بالإنجليزية: ICANN) اختصارا لـ Internet Corporation for Assigned Names and Numbers: هي منظمة غير ربحية، تأسّست عام 1998. يقع مقرّها في كاليفورنيا، وهي مختصّة في توزيع وإدارة عناوين الآي بي وأسماء المجال وتخصيص أسماء المواقع العليا (ومثال ذلك: .info، و com وغيرهما) في جميع أنحاء العالم. ولها وظيفة إدارة الموارد الرئيسة للبنية التحتيّة للشبكة مثل الحواسيب القاعديّة root servers.
عين كرمس أنفو
تعليقات
إرسال تعليق