الإعلام في الجزائر… إلى أين؟

ذبح، قتل، اعتدى واغتصب… كلمات دخيلة على الصحافة
571483-10480871-640-360هبّت رياح التغيير على الإعلام الجزائري، خلال السنوات الأخيرة، وخاصة بعد فتح المجال أمام التعدد الإعلامي وخصخصة الإعلام، مُحدثة تغييرا كبيرا على مسار المهنة النبيلة ، فبعد أن كان للإعلام بكافة أنواعه السمعي، البصري و المكتوب، دورا فعالا في بناء المجتمع وتكريس القيم الأخلاقية، ها هو الآن يتحول إلى وسيلة لزرع ثقافة العنف ونشر الفتنة بين أفراد المجتمع والأسرة، فإلى أين سيصل مستوى الإعلام في الجزائر؟
أصبحت وسائل الإعلام بشتى أنواعها سواء في الصحافة المكتوبة أو المسموعة أو المرئية، تتناول قضايا بعيدة تماما عن أعراف المجتمع الجزائري وقيمه التي تعوّد ونشأ عليها، فكثيرا ما أصبحنا نسمع ونقرأ مواضيع خارجة عن أعراف شعب له تقاليد وعادات ومبادئ، بل وأصبحت الفضائح تتصدّر أغلب عناوين الجرائد وشاشات التلفزيون، ناهيك عن المفردات الغريبة التي انتشرت مؤخرا في مجتمعنا المحافظ على غرار “اغتصب، ذبح، قتل…”، وكلمات أخرى أكثر عنف وإثارة، كأن تقرأ مثلا خبرا عنوانه”مراهق يقتل أمه بساطور من أجل مائتي دينار”، وخبرا آخر “إمام يعتدي على طفل في مقصورة المسجد”، وغيرها من الأخبار التي تنشرها العديد من الجرائد على صدر صفحاتها الأولى بعناوين مخيفة.
لم يعد بإمكان شريحة كبيرة من الجزائريين حمل جريدة والدخول بها إلى البيت، مثلما جرت عليه العادة قبل سنوات، ليس لأنها تتضمن مقالات سياسية ممنوعة، وإنما لكونها أصبحت وسيلة في نشر صور ضحايا الاعتداءات الإجرامية الصادمة كعمليات القتل العمدي أو الاغتصاب أو حتى الانتحار.
ومن اللافت للانتباه كذلك، أن وسائل الإعلام الجزائرية أصبحت تتنافس فيما بينها عن طريق جمع أخبار الجريمة والخلافات الزوجية وأخبار الاعتداءات الجنسية، إضافة إلى أخبار المحاكمات التي تجري يوميا في قاعات المحاكم، والتي تتضمّن عشرات المقالات الصحفية المخيفة ومئات القضايا الدخيلة عن مجتمعنا.
ففي وقت ليس بالبعيد، كانت وسائل الإعلام في الجزائر لا تُركّز سوى على الأخبار ذات الشأن السياسي والاقتصادي، وتساعد في بناء المجتمع قبل أن تتحوّل إلى أخبار العنف وزرع قيم لا تمت بأي صلة لأعرافنا وعاداتنا، والتي تُنجم عنها كوارث وآفات اجتماعية خطيرة مفادها تحطيم المجتمع.
فكيف يمكن لشعب أن يتطوّر ويتقدّم في ظل الأخبار التي تتداولها وسائل الإعلام التي يُفترض أن تكون وسيلة في توعية جيل بأكمله وبناء مجتمع قوي ومتماسك.
كرونولوجيا:
 17 أفريل 2011
وزير الاتصال السابق آنذاك ناصر مهل، يؤكد على ضرورة المراجعة المقبلة لقانون الإعلام في إطار الإصلاحات السياسية التي أعلن عنها رئيس الجمهورية.
14 ديسمبر 2011
زكى المجلس الشعبي الوطني بالأغلبية المطلقة مشروع القانون العضوي المتعلق بالإعلام الجديد في الجزائر، وسط رفض لنواب حركة حمس عضو التحالف الرئاسي آنذاك وانسحاب النهضة.
05 سبتمبر 2012
الأسرة الإعلامية تترقب سد بعض الثغرات في قطاع الإعلام، عقب تعيين محمد السعيد وزيرا للاتصال، حيث يلتمس أن الرئيس أراد الاعتماد على رجل ميدان ذو خبرة في الإعلام، ووضع كل في اختصاصه، ومن بين هؤلاء وزير الاتصال محمد السعيد.
17 أفريل 2013
لجنة النقل والمواصلات والاتصالات السلكية واللاسلكية بالمجلس الشعبي الوطني بالتنسيق مع وزارة البريد وتكنولوجيات الإعلام والاتصال بمقر المجلس، ينظّمون يوما برلمانيا بعنوان “تطوير تكنولوجيات الإعلام والاتصال في الجزائر“.
03 ماي 2013
وزير الاتصال، محمد السعيد، يؤكّد أن المراسيم التنفيذية المتعلقة بقانون الإعلام 2012 توجد قيد الدراسة والإثراء خلال إشرافه على حفل نظم بقصر الثقافة، مفدي زكرياء، على شرف الصحافيين الجزائريين بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة.

08 جوان 2013
انطلاق الورشات التدريبية الصيفية للإعلام الجديد بالحظيرة التكنولوجية لسيدي عبد الله، تتناول مواضيع عدة متعلقة بالإعلام الجديد واستخدام التقنيات الحديثة وتكنولوجيات الإعلام والاتصال موجهة للصحفيين من مختلف وسائل الإعلام الوطنية.
فيما أكّد أساتذة الاجتماع على ضرورة التطرق إلى المواضيع الحساسة، إعلاميون وسياسيون:
“المجتمع يتعرّض إلى مؤامرة خطيرة لتفكيك قيمه الاجتماعية والدينية ولا بد من فرض الرقابة على وسائل الإعلام”
أجمع إعلاميون وسياسيون على أن المواضيع التي أصبحت تتناولها العديد من وسائل الإعلام بما فيها القنوات الخاصة وبعض الجرائد المتعلّقة بالفضائح والقضايا الدّخيلة على أعراف وتقاليد المجتمع الجزائري، هي نتيجة الفراغ التشريعي ونقص الرقابة، معتبرين أن الشعب يتعرض لمؤامرة خطيرة من شأنها تفكيك قيمه الاجتماعية والدينية، في حين اعتبر أساتذة علم الاجتماع أنه من واجب هذه القنوات والجرائد أن تتطرّق للمشاكل الحساسة التي يعاني منها أفراد المجتمع.
     
عبد الحق فيدمة، أستاذ علم الاجتماع:
“القنوات التلفزيونية الجديدة هي تجربة فتية تحاول معالجة بعض قضايا
المجتمع”
قال أستاذ علم الاجتماع، الدكتور عبد الحق فيدمة، إن مهمة وسائل الإعلام أساسا هي نقل ما يجري في المجتمع من أحداث ومشاكل اجتماعية وسياسية واقتصادية وغيرها، مشيرا إلى أن القنوات التلفزيونية الخاصة الجديدة هي تجربة فتية تحاول معالجة بعض قضايا المجتمع.
وأضاف عبد الحق فيدمة، في تصريح ليومية “المقام” أمس، أن هذه القنوات تناولت بعض المواضيع والقضايا بنوع من الجرأة، كما فتحت النقاش على بعض الطابوهات، لأن الإعلام الخاص هو الذي يُعرف بمعالجة مثل هذه المواضيع الحساسة وليس الإعلام العمومي.
وأوضح ذات المتحدث، أن إثارة مثل هذه المواضيع ذات الحساسية مثل قضايا الشرف، الاغتصاب والاعتداءات الجنسية، تعتبر سلاحا ذو حدين، فيمكن أن يكون هذا التناول مقدمة لإثارة المشاكل، فبعد التشهير بالموضوع يجر المواطن لارتكاب نفس السلوكات، – يقول المتحدث – وطرح الجريمة بكامل تفاصيلها تدفع الشخص المتابع إلى التأثر وتجعله أحيانا يعيد نفس السيناريو، فمثلا يقبل على الانتحار أو يحاول أن يغتصب أو ما إلى ذلك.
أما الجانب الإيجابي والمهم لهذا الطرح هو استعمال الجرأة في معالجة مواضيع حساسة نوعا ما في محاولة لإيجاد سبل لحلها، ففتح النقاش لبعض المواضيع المحرمة وأخذ رأي المختصين فيها هو تمهيد لوضع سبل للخروج والتخلص منها نهائيا من المجتمع، مشيرا إلى أن  السكوت عن الطابوهات هو نوع من التواطؤ على حساب المجتمع الذي سيؤدي إلى تفاقم الوضع أكثر، فالساكت عنها يعتبر مشاركا في الجريمة ـ على حد تعبيره.
من جهة أخرى، أكد الأستاذ فيدمة أن مظاهر التعري وقلة الحياء والضحك الذي يصل إلى حد القهقهة المفرطة، هي مظاهر دخيلة لم يتعوّد عليها المجتمع الجزائري، لكن بالمقابل تعوّد عليها البعض وهم أولئك الذين يتابعون القنوات الأجنبية خاصة الفرنسية، فنحن نعلم – يقول المتحدث – أن نسبة معتبرة من الجزائريين يميلون لمتابعة القنوات الفرنسية، مبرزا أن وسائل الإعلام هذه لها نوع من الإرادة للتوجه نحو نمط ثقافي متفتح.
مصطفى هميسي، الناطق الرسمي باسم حزب الحرية والعدالة:
“الفراغ التشريعي” لوسائل الإعلام أدى إلى الفوضى في البرامج
أرجع الناطق الرسمي باسم حزب الحرية والعدالة، مصطفى هميسي، سبب ظهور برامج وسائل الإعلام التي تعالج الطابوهات بنوع من الرداءة والانحطاط إلى غياب “الفراغ التشريعي” وعدم وجود ضوابط مهنية مثل أخلاقيات المهنة وطريقة ممارستها.
وأضاف الكاتب والإعلامي في تصريح خص به “المقام” أمس، أن تنوع وسائل الإعلام كان بطريقة “فوضوية” ولكن عندما تختلط السياسة بالأعمال الأخرى، وعندما تختلط السلطة بالمال تؤدي إلى انحرافات عن الطريق الصحيح وعن الدرب الذي يجب أن تسلكه المادة الإعلامية.
كما أوضح ذات المتحدث، أن السياسة التي تنتهجها وسائل الإعلام الجديدة هي مجرد “تعويض” لأشياء أخرى ومحاولة فرض برامجها على المواطن وأبعاده عن القضايا الأساسية ذات الأهمية البالغة كالتنمية وبناء الدولة والحقوق الاجتماعية.
وفي سياق ذي صلة، أكّد هميسي أن هذه القضايا ذات الحساسية موجودة في مجتمعنا فعلا ووجب معالجتها إعلاميا وكن بالصورة المناسبة التي تتوافق مع قيم المجتمع الدينية والاجتماعية.
نعيمة صالحي، الأمينة العامة لحزب العدل والبيان:
“بعض القنوات والصحف تريد زرع ثقافة العنف والانحطاط الأخلاقي”
أكدت الأمينة العامة لحزب العدل والبيان نعيمة صالحي، أن المجتمع الجزائري يتعرّض لمؤامرة خطيرة لتفكيك قيمه الاجتماعية والدينية، وأن بعض القنوات والصحف تريد زرع ثقافة العنف والانحطاط الأخلاقي.
وأوضحت صالحي في تصريح ليومية “المقام”، أن النخبة القليلة صاحبة النفوذ والسلطة تموّل القنوات التي تنتج ما تريد وما يمليها عليها أعداء الإسلام والعربية، عن طريق زرع ثقافة العنف والانحطاط الأخلاقي كبث المسلسلات الدرامية  التركية التي أصبحت الشغل الشاغل لكافة الشرائح وخاصة الشباب الذي أصبح يشاهدها ويتابعون حلقاتها بشغف.
واستنكرت ذات المتحدثة،  بعض خرجات رؤساء الأحزاب الذين يدعون لحرية الرأي والتعبير عن طريق التعبير بالأجساد العارية،  مشيرة إلى أن هاته الأفعال دخيلة عن المجتمع العربي والجزائري، الذي يعتبر من المجتمعات الأكثر حفاظا على تراثه وقيمه الدينية.
وأضافت صالحي أن الإعلام لم يعد مجرد كلام على الصحف بل تعدى ذلك ليصبح حربا إعلامية بين الشركات المنافسة، مضيفة أن الكل يعلم بأصالة المجتمع الجزائري ويؤمن بها، داعية إلى محاربة هذه الظواهر بآليات بديلة كالتربية والتوجيه.
وأكدت ذات المتحدثة أن قنوات الإثارة والعنف أرغمت معظم العائلات المحترمة على الزهد في التطور عن طريق مقاطعة الأنترنت ومقاطعة القنوات الفضائية التي تشاهد بغرض الاطّلاع على آخر الأخبار، حرصا على الأولاد ضاربة ذلك بنفسها قائلة:”أنا محرومة من الأنترنت بسبب أولادي رغم أني في أمس الحاجة إليها بغرض مشاهدة الأخبار والتواصل في إطار العمل”.
وفي ذات السياق، دعت الأمينة العامة لحزب العدل والبيان كافة الشرائح  إلى تكثيف الجهود الرامية لمحاربة هذه الظواهر الدخيلة على الأعراف والقيم المجتمعية، مضيفة أن دور المساجد التي كانت توجيهية وتربوية أصبحت اليوم منقسمة على شقين شق تسيطر عليه السلطة وشق آخر للتطرف.
عبد الرحمان بن شريط، محلل السياسي:
“سياسة  ملء الفراغ هدف القنوات الإعلامية “
كشف المحلل السياسي، عبد الرحمان بن شريط، أن السمة العامة للساحة والمجتمع الجزائري هو نوع من التسابق نحو احتلال فضاء كان فارغا في وقت سابق، عن طريق الانفتاح الإعلامي.
وكشف بن شريط في اتصال بـ”لمقام”، أن فتح القنوات الفضائية الجديدة واعتماد جرائد جدية هدفه احتلال الساحة الإعلامية واستقطاب أكبر عدد من المشاهدين والقراء، وفرض تموقع جيد يسمح لها بالاستمرارية، مضيفا أن المجتمع حاليا يشهد تسابقا لاحتلال الفراغ الذي كان في السابق.
وانتقد ذات المتحدث بشدة خرجات بعض القنوات التي تنشر مقاطع فيديو رديئة الجودة ومنقولة من “اليوتوب”، بالإضافة إلى اعتمادها على صحفيين قليلي خبرة ومهنية، ووقوعها في أخطاء لغوية في الكتابة، مضيفا أن الشغل الشاغل هو ملئ الفراغ واستقطاب أعلى نسبة مشاهدة، بدون النظر في الإنتاج التلفزيوني المقدم، ومساسهم بالجانب الأخلاقي وتعدي الخطوط الحمراء، مضيفا أن الجانب الحرفي لبعض القنوات والصحف رديء جدا -حسب المتحدث-
وأضاف بن شريط أن المشاهد الجزائري هو من يحكم على القنوات التي يشاهدها لأن أمامه الآن مستويات متنوعة، ولأن المجتمع الجزائري مجتمع محافظ على قيمه الدينية وأعرافه.
سامر رياض، مدير عام قناة “نوميديا نيوز”:
بعض المؤسسات الإعلامية تنتهج سياسة “الذبح والنكح”
أكد مدير عام قناة “نوميديا نيوز”، سامر رياض، أن مرحلة ما قبل 1988 شهدت كبتا إعلاميا كبيرا، إلى أن جاءت التعددية الحزبية التي نتجت عنها جرائد ولدت كالطفيليات.
وكشف سامر في تصريح خص به يومية “المقام”، أن الصحف والجرائد بعد مرحلة التعددية غطت القضايا الأمنية ووقائع سنوات الإرهاب واغتنمت الفرصة في نقل الأحداث، وأفرزت منافسة إعلامية فيما بينها، قبل أن تتشكل الخارطة الإعلامية الجزائرية على نحو ما هي عليه الآن.
وأضاف ذات المتحدث، أن الوقت الحالي شهد مرحلة انتقالية وظهرت نوعية من الصحف والقنوات الأكثر ديناميكية من أجل الوصول للقارئ، مضيفا أن أبطال بعض الصحف يتخذون من الشك والتأويل في الجانب الاجتماعي سياسة للفت انتباه القارئ، وكسر بعض الطابوهات والتطرق في ما يعرف “بالذبح والنكح”.
وأشار مدير عام قناة نوميديا نيوز، إلى أن المجتمع الغربي يهتم بالصحافة الصفراء لأن ذلك يندرج ضمن عاداته وتقاليده عكس المجتمع العربي والجزائري، الذي يتمتع بقيم دينية محافظة، كما أن الجرائد الصفراء تعد أكثر المبيعات في العالم العربي، وهذا ما تستغله بعض الصحف الوطنية وتطرقها لقضايا الزواج والحب والخيانات الزوجية، مشيرا إلى ما يحدث في العالم من جرائم وأحداث لا يمكن مقارنته بالجزائر التي تعد فيها الجريمة  قليلة/ مقارنة بما يحدث في “ريو ديجانيرو” مثلا.
ودعا سامر رياض كافة المؤسسات الإعلامية، إلى استغلال الإعلام في التربية والتوجيه والتوعية وليس في التهويل والإثارة، مضيفا أن معالجة قضايا الإجرام في الصحف الوطنية تأخذ طابع ترويجي وغير توعوي، وهذا ما يمكن أن ينتشي به الشاب من خلال اطّلاعه على هذه الأخبار، مضيفا أن غياب آليات الرقابة مكنها من ذلك وساعد في نشر الكلام البذيء الذي يتعارض مع قيم المجتمع الجزائري المسلم.
وأشاد المتحدث، بالقيم التي يتمتع بها المجتمع الجزائري عكس بعض البلدان العربية الأخرى، داعيا كافة الصحافيين أن لا يقتاتوا أخبارهم من آلام الغير، ويتناولوها بطرق منهجية مع أساتذة ومحللين وأئمة، بدون التأويلات والهول الإعلامي الكبير الذي يهدد الروابط الاجتماعية.
للامانة : منقول

تعليقات

المشاركات الشائعة

من ذاكرة عين كرمس المنسية .... قصة تصفية الشهداء السبع في المدرسة المختلطة.

القانون ينصّ على تعليق العلم الوطني فوق مقرات البنايات التي تؤوي مصالح الهيآت ذات السيادة: التقسيمية الفلاحية لدائرة عين كرمس بتيارت لم يعلق فيها العلم الوطني